فصل: (مسألة: لقطة الفاسق)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة: لقطة معدومي أهلية التكليف]

إذا وجد الصبي أو المجنون أو المحجور عليه للسفه لقطة فالتقطها.. صح التقاطه؛ لعموم الأخبار، ولأن هذا كسب، فصح منهم، كالاصطياد والاحتشاش.
هذا نقل أصحابنا البغداديين.
وقال المسعودي [في "الإبانة" ق \ 360] في التقاط الصبي قولان، كالعبد. وهذا ليس بمشهور. إذا ثبت هذا: فإن تلفت اللقطة في يد أحدهم بغير تفريط، قبل أن يعلم بها الولي.. لم يجب ضمانها؛ لأنه قبض ما له قبضه. وإن تلفت في يده بتفريط منه، أو أتلفها.. وجب ضمانها في ماله، كما لو أتلف مال غيره.
وإن علم بها الولي.. فعليه أن يأخذها منه؛ لأنه ليس من أهل حفظ الأموال. فإن تركها الولي في يده حتى تلفت.. قال القاضي أبو الطيب ضمنها الولي؛ لأن الولي يلزمه حفظ مال الصبي وما تعلق به حقه، وهذا قد تعلق بها حقه، فإذا تركها في يده.. صار مضيعًا لها، فضمنها.
وإن أخذها الولي فعرفها حولًا.. نظر الولي: فإن كان المولى عليه ممن يجوز أن يقترض عليه.. تملكها له. وإن كان ممن لا يجوز أن يقترض له، بأن كان غنيًا، فهل للولي أن يتملكها له؟ فيه وجهان.
قال عامة أصحابنا: ليس له أن يتملكها له؛ لأن الملك في اللقطة يجري مجرى الاقتراض. فإذا كان لا حاجة به إلى الاقتراض، لم يتملكها له.
وقال ابن الصباغ: له أن يتملكها له؛ لأن الظاهر عدم صاحبها، ولهذا جعلناه
بمنزلة الاكتساب. ولو جرى مجرى الاقتراض.. لم يصح الالتقاط من الصبي والمجنون، وكان يراعى في صحة الالتقاط الحاجة إلى الاقتراض.

.[مسألة: لقطة الفاسق]

إذا وجد الحر الفاسق لقطة فيكره له أخذها؛ لأنه ربما تدعوه نفسه إلى استحلالها وكتمانها. فإن التقطها.. صح التقاطه قولًا واحدًا؛ لأنه من جهات التكسب، فصحت من الفاسق، كالاصطياد. وهذا نقل البغداديين.
وقال المسعودي [في "الإبانة" ق \ 361] في صحة التقاطه قولان، كالعبد.
إذا ثبت أنه يصح التقاطه.. فهل يقرها الحاكم في يده؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يقرها في يده، بل ينتزعها ويسلمها إلى أمين؛ لأن اللقطة في الحول الأول أمانة في يد الملتقط، والفاسق ليس من أهل الأمانة.
والقول الثاني أنه يقرها في يده، ولكن لا يهمل الحاكم أمرها، بل يضم إليه أمينًا يشرف عليه ويمنعه من التصرف فيها قبل الحول؛ لأن الفاسق لما ساوى الأمين في تملك اللقطة بعد الحول.. ساواه في كونها بيده. والأول أصح.
وفي الذي يتولى تعريفها قولان، سواء قلنا تقر في يده، أو لا تقر:
أحدهما: يعرفها الواجد لها وإن كان فاسقًا؛ لأنه هو الواجد، ولأنها إنما انتزعت منه خوفًا من أن يخون بها، ولا خيانة في التعريف.
والثاني: أن الفاسق لا ينفرد بتعريفها، ولكن يضم إليه الحاكم أمينًا يعرفها معه؛ لأنه لا يؤمن أن يقصر في التعريف. فإذا انتهى التعريف.. كان للفاسق أن يتملكها؛ لأنه من أهل التملك.

.[فرع: لقطة الذمي في بلاد المسلمين]

واختلف أصحابنا في الذمي إذا التقط لقطة في دار الإسلام:
فمنهم من قال: لا يصح التقاطه؛ لأن الالتقاط أمانة بولاية، والذمي ليس من أهلها، ولأنه لا يملك بالإحياء في دار الإسلام، فلا يملك بالالتقاط فيه.
ومنهم من قال: يصح التقاطه؛ لأن له ذمة صحيحة ويملك بالقرض، فصح التقاطه.
فإذا قلنا: يصح التقاطه.. فهل تقر في يده، ويصح تعريفه بنفسه، أو ينزعها الحاكم منه، ويضم من يعرفها معه؟
من أصحابنا من قال: فيه قولان، كالفاسق.
ومنهم من قال: تقر في يده، وينفرد بالتعريف قولًا واحدًا؛ لأنه وإن كان كافرًا، فهو مقر على دينه، كما أنا نقول: لا يصح إنكاح الفاسق، ويصح إنكاح الذمي.

.[فرع: القول للمدعي حتى يأتي صاحب اليد بالبينة]

قال الشافعي في "الأم": (إذا كان في يد رجل عبد، فادعاه آخر، وشهد له به شاهدان أنه ملكه، فقال من بيده العبد: هذا اشتريته من فلان، ببلد كذا، ولي عليه بينة هناك تشهد أني ابتعته، وكان مالكًا له حين باعه مني.. فإن العبد يسلم إلى المدعي، ولا يعتد بدعوى من بيده العبد؛ لأن بينة المدعي قد قامت، وثبت له الملك، فلا يوقف بالدعوى، فيسلم العبد إلى المدعي إلى أن يأتي من بيده العبد ببينة). والله أعلم